فصل: سئل:عن وجود الماء وخوف الضرر؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


 وَسُئِلَ‏:‏هل يقوم التيمم مقام الوضوء فيما ذكر، أم لا‏؟‏

فأجاب‏:‏

يقوم التيمم مقام الطهارة بالماء‏.‏ فما يبيحه الاغتسال والوضوء من الممنوعات يبيحه التيمم‏.‏

 

وَسُئِلَ أيضًا ـ رَحمه الله ـ عن رجل قد أصابته جنابة وهو في بستان، ولم يكن عنده إلا ماء بارد، ويخاف الضرر على نفسه باستعماله، والحمام بعيد منه؛ بحيث إذا وصل إلى الحمام واغتسل خرج الوقت‏.‏ فهل إذا تيمم للجنابة وتوضأ وصلى في الوقت يلزمه إعادة‏؟‏ وهل يأثم بذلك أو يأثم إذا تيمم‏؟‏ وهل التيمم يقوم مقام الماء؛ فيجوز له التيمم لنافلة ويصلي بها فريضة، أو يصلي فريضتين في وقتين بتيمم واحد‏؟‏

/فأجاب‏:‏

الحمد للَّه رب العالمين، يجب على كل مسلم أن يصلي الصلوات الخمس في مواقيتها، وليس لأحد قط أن يؤخر الصلاة عن وقتها، لا لعذر، ولا لغير عذر‏.‏ لكن العذر يبيح له شيئين‏:‏ يبيح له ترك ما يعجز عنه، ويبيح له الجمع بين الصلاتين‏.‏

فما عجز عنه العبد من واجبات الصلاة سقط عنه‏.‏ قال

الله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏}‏ ‏[‏التغابن‏:‏ 16‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 286‏]‏، ‏{‏لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 233‏]‏‏.‏ وقال ـ لما ذكر آية الطهارة ـ‏:‏ ‏{‏مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ‏}‏ الآية ‏[‏المائدة‏:‏ 6‏]‏‏.‏ وقد روي في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه‏.‏ وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏)‏‏.‏

فالمريض يصلى على حسب حاله‏.‏ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين‏:‏ ‏(‏صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا‏.‏ فإن لم تستطع فعلى جنب‏)‏‏.‏ وسقط عنه ما يعجز عنه من قيام، وقعود، أو تكميل الركوع والسجود، ويفعل ما يقدر عليه‏.‏ فإن قدر على الطهارة بالماء تطهر، وإذا عجز عن ذلك؛ لعدم الماء، أو خوف الضرر باستعماله تيمم وصلى ولا إعادة عليه؛ لما يتركه من القيام والقعود باتفاق العلماء، وكذلك لا إعادة إذا صلى بالتيمم باتفاقهم، ولو كان في بدنه نجاسة/لا يمكنه إزالتها صلى بها ولا إعادة عليه ـ أيضًا ـ عند عامة العلماء‏.‏

ولو لم يجد إلا ثوبًا نجسًا فقيل‏:‏ يصلى عريانًا‏.‏ وقيل‏:‏ يصلى ويعيد‏.‏ وقيل‏:‏ يصلى في الثوب النجس ولا يعيد‏.‏ وهو أصح أقوال العلماء‏.‏

وكذلك المسافر إذا لم يقدر على استعمال الماء صلى بالتيمم‏.‏ وقيل‏:‏ يعيد في الحضر‏.‏ وقيل‏:‏ يعيد في السفر‏.‏ وقيل‏:‏ لا إعادة عليه لا في الحضر ولا في السفر‏.‏ وهو أصح أقوال العلماء‏.‏ فالصحيح من أقوالهم أنه لا إعادة على أحد فعل ما أمر به بحسب الاستطاعة، وإنما يعيد من ترك واجبًا يقدر عليه‏.‏ مثل من تركه لنسيانه، أو نومه‏.‏ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك‏)‏ وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من توضأ وترك لمعة لم يصبها الماء من قدمه يعيد الوضوء والصلاة ‏.‏

وما ترك لجهله بالواجب، مثل من كان يصلى بلا طمأنينة، ولا يعلم أنها واجبة، فهذا قد اختلفوا فيه‏:‏ هل عليه الإعادة بعد خروج الوقت أو لا‏؟‏ على قولين معروفين‏.‏ وهما قولان في مذهب أحمد وغيره، والصحيح أن مثل هذا لا إعادة عليه‏:‏ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال للأعرابى المسىء في /صلاته‏:‏ ‏(‏اذهب فصل فإنك لم تصل ـ مرتين أو ثلاثًا ـ فقال‏:‏ والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا، فعلمني ما يجزيني في صلاتي‏)‏‏.‏ فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة بالطمأنينة، ولم يأمره بإعادة ما مضى قبل ذلك الوقت، مع قوله‏:‏ والذى بعثك بالحق لا أحسن غير هذا‏.‏ ولكن أمره أن يعيد تلك الصلاة؛ لأن وقتها باق‏.‏ فهو مأمور بها أن يصليها في وقتها‏.‏ وأما ما خرج وقته من الصلاة فلم يأمره بإعادته مع كونه قد ترك بعض واجباته؛ لأنه لم يكن يعرف وجوب ذلك عليه‏.‏

وكذلك لم يأمر عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن يقضي ما تركه من الصلاة؛ لأجل الجنابة؛ لأنه لم يكن يعرف أنه يجوز الصلاة بالتيمم‏.‏

وكذلك المستحاضة قالت له‏:‏ إني أُسْتَحَاض حيضة شديدة منكرة تمنعني الصوم والصلاة فأمرها أن تتوضأ لكل صلاة، ولم يأمرها بقضاء ما تركته‏.‏

وكذلك الذين أكلوا في رمضان حتى تبين لأحدهم الحبال البيض من الحبال السود، أكلوا بعد طلوع الفجر ولم يأمرهم بالإعادة، فهؤلاء كانوا جهالاً بالوجوب، فلم يأمرهم بقضاء ما تركوه في حال/ الجهل، كما لا يؤمر الكافر بقضاء ما تركه في حال كفره وجاهليته، بخلاف من كان قد علم الوجوب، وترك الواجب نسيانًا، فهذا أمره به إذا ذكره‏.‏

وأمر النائم من حين يستيقظ، فإنه حين النوم لم يكن مأمورًا بالصلاة، فلهذا كان النائم إذا استيقظ قرب طلوع الشمس يتوضأ ويغتسل، وإن طلعت الشمس عند جمهور العلماء ـ كالشافعى وأحمد وأبى حنيفة، وإحدى الروايتين عن مالك ـ بخلاف من كان مستيقظًا والوقت واسع، مثل الذى يكون نائمًا في بستان أو قرية والماء بارد يضره، والحمام بعيد منه إن خرج إليه ذهب الوقت، فإنه يتيمم ويصلى في الوقت، ولا يؤخر الصلاة بعد خروج الوقت‏.‏

وكذلك لو كان في المصر وقد تعذر عليه دخول الحمام؛ إما لكونه لم يفتح، أو لبعدها عنه، أو لكونه ليس معه ما يعطى الحمامى أجرته ونحو ذلك، فإنه يصلى بالتيمم؛ لأن الصلاة بالتيمم فرض إذا عجز عن الماء لعدم، أو لخوف الضرر باستعماله، ولا إعادة على أحد من هؤلاء، ففي كثير من الضرر لا إعادة عليه باتفاق المسلمين‏:‏ كالمريض والمسافر‏.‏ وبعض الضرر تنازع فيه العلماء‏.‏ والصحيح أنه لا إعادة على أحد صلى بحسب استطاعته كما أمر‏.‏

/فمن صور النزاع من عدم الماء في الحضر، ومن تيمم لخشية البرد‏.‏ وكذلك سائر من ترك واجبًا لعذر نادر غير متصل، فإنه تجب عليه الإعادة عند الشافعى وأحمد في إحدى الروايتين، ولا تجب عليه الإعادة عند مالك، وأكثر العلماء، وأحمد في إحدى الروايتين عنه‏.‏

وإذا فوت الصلاة حتى خرج الوقت بأن يؤخر صلاة الليل إلى النهار، والنهار إلى الليل، فإنه يأثم بذلك‏.‏ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله‏)‏ وقد جوز بعض العلماء تأخير الصلاة في بعض الأوقات كحال المسايفة‏.‏ كقول أبى حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين‏.‏

والذى عليه أكثر العلماء أنه لا يجوز تأخير الصلاة بحال، وهو قول مالك والشافعي، وأحمد في ظاهر مذهبه، لكن يجوز الجمع بين الصلاتين لعذر عند أكثر العلماء، كما جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة، والجمع في هذين الموضعين ثابت بالسنة المتواترة، واتفاق العلماء‏.‏ وكذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجمع في السفر إذا جد به السير، وأنه صلى بالمدينة ثمانيًا جمعًا الظهر والعصر، وسبعًا المغرب والعشاء، أراد بذلك ألا يحرج أمته‏.‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏ ‏[‏الحج‏:‏ 78‏]‏‏.‏

/فلهذا كان مذهب الإمام أحمد وغيره من العلماء كطائفة من أصحاب مالك وغيره‏:‏ أنه يجوز الجمع بين الصلاتين إذا كان عليه حرج في التفريق، فيجمع بينهما المريض، وهو مذهب مالك وطائفة من أصحاب الشافعي، ويجوز الجمع بين المغرب والعشاء في المطر عند الجمهور ـ كمالك، والشافعي، وأحمد ـ وقال أحمد‏:‏ يجمع إذا كان له شغل‏.‏ وقال القاضي أبو يعلى‏:‏ إذا كان له عذر يبيح له ترك الجمعة والجماعة جاز الجمع‏.‏

فمذهب فقهاء الحجاز، وفقهاء الحديث ـ كمالك، والشافعي وأحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، وأبي ثور، وابن المنذر، وغيرهم ـ يجوز الجمع بين الصلاتين في الجملة، ولا يجوز التفويت بأن يؤخر صلاة النهار إلى الليل، وصلاة الليل إلى النهار‏.‏

ومذهب طائفة من فقهاء الكوفة كأبي حنيفة وغيره، أنه لا يجوز الجمع إلا بعرفة، ومزدلفة، وكذلك إذا تعذر فعلها في الوقت أخرها عن الوقت، وقول من أمر بالجمع بين الصلاتين من غير تفويت أرجح من قول من أمر بالتفويت، ولم يأمر بالجمع فإن الكتاب والسنة يدلان على أن اللّه أمر بفعل الصلاة في وقتها، وأمر بالمحافظة عليها‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 238‏]‏ هذه نزلت/ ناسخة لتأخير الصلاة يوم الخندق‏.‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏صلوا الصلاة لوقتها‏)‏‏.‏

وقد دل الكتاب والسنة على أن المواقيت ‏[‏خمسة‏]‏ في حال الاختيار، وهي‏:‏ ‏[‏ثلاثة‏]‏ في حال العذر، ففي حال العذر إذا جمع بين الصلاتين‏:‏ بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، فإنما صلى الصلاة في وقتها، لم يصل واحدة بعد وقتها، ولهذا لم يجب عليه عند أكثر العلماء أن ينوي الجمع، ولا ينوي القصر‏.‏ وهذا قول مالك وأبي حنيفة وأحمد في نصوصه المعروفة، وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز‏.‏

ولهذا كان عند جمهور العلماء ـ كمالك والشافعي وأحمد ـ إذا طهرت الحائض في آخر النهار صلت الظهر والعصر جميعًا، وإذا طهرت في آخر الليل صلت المغرب والعشاء جميعًا، كما نقل ذلك عن عبد الرحمن ابن عوف، وأبي هريرة، وابن عباس؛ لأن الوقت مشترك بين الصلاتين في حال العذر، فإذا طهرت في آخر النهار فوقت الظهر باق، فتصليها قبل العصر‏.‏ وإذا طهرت في آخر الليل فوقت المغرب باق في حال العذر، فتصليها قبل العشاء‏.‏

ولهذا ذكر اللّه المواقيت تارة خمسًا، ويذكرها ثلاثًا تارة،/ كقوله‏:‏ ‏{‏وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 114‏]‏‏.‏ وهو وقت المغرب والعشاء‏.‏ وكذلك قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 78‏]‏‏.‏ والدلوك هو الزوال، وغسق الليل هو اجتماع ظلمة الليل، وهذا يكون بعد مغيب الشفق‏.‏ فأمر اللّه بالصلاة من الدلوك إلى الغسق، فرض في ذلك الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ودل ذلك على أن هذا كله وقت الصلاة‏.‏ فمن الدلوك إلى المغرب وقت الصلاة، ومن المغرب إلى غسق الليل وقت الصلاة‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَقُرْآنَ الْفَجْرِ‏}‏؛ لأن الفجر خصت بطول القراءة فيها، ولهذا جعلت ركعتين في الحضر والسفر، فلا تقصر ولا تجمع إلى غيرها، فإنه عوض بطول القراءة فيها عن كثرة العدد ‏.‏